مَرَّ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِى وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى].
يحكى هذا الحديث الشريف حوار النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع امرأة وجدها تبكى عند قبر، فأمرها بالتقوى والصبر ولكنها قالت لـه : (إليك عنى..)
فلما أُخبرت بأنه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتت إليه لتعتذر.
من الصور البيانية في الحديث أنه لمّا ذهبت المرأة إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعتذر عمّا صدر عنها، قال لها: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى).
والمراد: دعى الاعتذار فإنَّ من شيمتى أنْ لا أغضب إلا لله، وانظرى إلى تفويتك الثواب الجزيل بالجزع وعدم الصبر.
والتعبير بلفظ (الصدمة)، فى قولـه (الصَّدْمَةِ الأُولَى)، تعبير مجازى.
لأنَّ الصَّدْمُ: ضَرْبُ الشىء الصُّلْب بشىء مثله. وصَدَمَه صَدْماً: ضَرَبه بجسده .
من هذا ندرك بأنَّ اللفظ هنا مستعمل فى غير حقيقته، فهو استعارة أصلية تصريحية.
حيث استعار ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصدم وهو فى الأصل ضرب الشىء الصلب بشىء مثله؛ للمصيبة.
فشبه: المصيبة بالصدمة بجامع: شدة التأثير فى كلٍ، ثم حذف المشبه، ثم استعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه. على سبيل الاستعارة الأصلية التصريحية.
وهذه الصورة الاستعارية توحى: بثقل المصيبة وشدة وقعها على النفس، لذلك استعار لها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصدمة.
وهذه الصورة الاستعارية ، من استعارة محسوس لمعقول، فالمستعار منه: حسي: وهو الصدم، والمستعار لـه عقلى وهو: المصيبة.
وفى إيثار التعبير بلفظ :(الصبر) فى هذا السياق دقة بالغة؛ لأنَّه يناسب المستعار لـه :(المصيبة)، مناسبة كاملة؛ لأنها تحتاج إلى الصبر عند نزولـها لشدة وقعها، ثم إنَّ فى الصبر الجزاء الأوفى قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
ولطيفة فى كلمة :(الأولى)، فى قولـه (الصَّدْمَةِ الأُولَى)، إذ توحى: بأنَّ الصدمة الأولى أشد على النفس وأقسى مما يليها.
وبهذا يتبين لنا كيف استطاع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ توظيف الصورة الاستعارية فى بيان فضيلة الصبر السامية، وأهميته الكبرى عند الشدائد ـ نجانا الله منها ـ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق