الأربعاء، 3 مارس 2010

ألا أخبركم بأهل الجنة ؟

روى البخارى قال :[ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ].

هذا الحديث الشريف لمسة حانية من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تربِت على كتف كل ضعيف في الدنيا لا يجد له مكاناً بين الأغنياء وأصحاب النفوذ ، وهو في نفس الوقت متضعف متواضع للمسلمين لا يرى له فضلاً على أحد ، وهو مع ذلك لا يضجر ولا يحزن، فكفاه فخراً بشرى النبى صلى الله عليه وسلم له بأنه من أهل الجنة.

وفي المقابل صورة أخرى على النقيض فيها ترهيب وزجر لأصحاب القلوب الغليظة والطباع الخشنة التى لم تؤثر فيها رقة الإسلام ورحمته فهم متعالون مستكبرون على الناس يتصفون بصفات أهل النار.

فقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم على أهل الرقة والضعف بأنهم يتصفون بصفات من يدخلون الجنة ، لتكون البشارة ضمنا لكل ضعيف رقيق القلب أنه من أصحاب الجنة.

كما أنه بين صفات أهل النار تحذيرا وترهيباً لجفاة القلوب غلاظ الطباع أن يكونوا من أهل النار والعياذ بالله ، وقد ساق الكلام مساق العرض في أسلوب تشويقي رائع فقال (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ) وهذا الأسلوب التشويقي من أنجع الأساليب في إفادة الخبر مؤكداً حيث يعمل على تقريره في نفس المخاطب بما يثيره فيه من تيقظ وتلهف لمعرفة ما شوق إليه ، بعكس ما لو ألقى إليه الخبر خالياً من أى نوع من أنواع التشويق، فشتان بين قولـه (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ) وبين كل ضعيف متضعف هو من أهل الجنة .

وبعد أن تهيأت النفوس وتشوقت واشرأبت الأعناق شوقاً لمعرفة الخبر قال (كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ) فتم الكلام وعرفوا أصحاب هذه البشرى، وفي هذا الخبر تطييب لنفوس الضعفاء والمساكين وبيان لمكانتهم عند الله. وفي قولـه (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ) إبراز للمقياس الحقيقي الذى تقاس به الأفراد فلا يقاس المرء بالجاه ولا بالسلطان، فرب ضعيف مسكين لا يلتفت إليه لو حلف يميناً طمعاً في رحمة الله لأبره الله وهو تعبير كنائي رائع يدل على الرضا والقبول وحسن موقع الكناية هنا أنها استخدمت بلفظ لو التى أعانت على قبولها لدى العقل والكناية لها دورها في توكيد المعنى وتقريره فهى تكسب الألفاظ جمالاً وتكسب المعانى ديباجة وكمالاً وتحرك النفس إلى عملها وتدعو القلب إلى فهمها، فهى تقع من البلاغة في أعلى المراتب، وتحوز منها أعظم المناقب.

فهى بهذه المزايا أعانت على تصوير فضل هذا الضعيف ووصف منزلته عند الله، فإن هذا الضعيف من كرامته على الله ومن عظم منزلته عنده لو أنه حلف يميناً لأبر الله قسمه إكراماً لهذا الضعيف فلك أن تتخيل كيف تكون منزلة وكرامة من يعطيه الله هذه المنزلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق