فضل كفال اليتيم والإنفاق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخارى :[ حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى]
"بذل الخير سعادة ، وإسعاد الحزين متعة ، ومسح دمعة هناءة تملأ النفس رضا والقلب سكينة ، واليتيم صغير ضعيف سلبه القدر من يكلفه ليكبر ويحميه ليقوى ، فإذا جعل امرؤ من نفسه لليتيم أباً لا يحس مع وجوده فقد ما سلب، فليس هذا المرء إلا مؤمن كامل. وكان مع النبى صلى الله عليه وسلم في الجنة.
والحديث بهذا الأسلوب التربوى صورة رائعة من صور الدعوة إلى التكافل الاجتماعى الذى يكون فيه المجتمع المسلم نسيج واحد يقوى بعضه بعضاً.
والحديث على وجازة لفظة وقلة كلماته اشتمل على لطائف بلاغية رائعة، منها استخدامه صلى الله عليه وسلم للإشارة بإصبعيه في حالة نطقه بالحديث كوسيلة توضيحية لتقرير المعنى وتمكينه في النفوس فقال (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا) وأشار بإصبعيه.
فانظر كيف صورت هذه الإشارة عظيم الجزاء الذى وعد به كافل اليتيم. إن هذه الإشارة تعنى أن كافل اليتيم رفيق النبى صلى الله عليه وسلم في الجنة ومجاوره مجاورة السبابة للوسطى، "وانظر كيف جمع النبى صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة بين حاله مع كافل اليتيم مشبهاً وحال السبابة والوسطى مشبهاً به، وبين هذه الإشارة باليد ليدل بالمقرر المحض والمؤكد الشاهد على تأكيد أجر كافل اليتيم وتقريره."
يقول ابن بطال كما نقل عنه صاحب تحفة الأحوذى :"حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبى في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك."
وكفالة اليتيم لا تقتصر على كفالة الأقرباء فقط، بل هو لفظ مطلق يدل على كفالة أى يتيم، كما وضحت ذلك رواية الإمام مسلم (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ).
ومن بدائع البيان في الحديث: ورود هذه البشرى في صورة الجملة الاسمية التى بصيغتها تدل على الثبوت فهى آكد في تصوير المعنى وتقرير الجزاء فهو يصور الأمر الذى سيكون في الآخرة في معرض الثابت المحقق دلالة على تحقق الوقوع.
كما أن في عطف كافل اليتيم على الضمير (أنا) العائد إلى النبى صلى الله عليه وسلم بالواو يفيد المصاحبة والمعية. وهذه المعية والمصاحبة في جانب المشبه إرصاد إلى جنس الجزاء الذى يدل عليه تمام العبارة (هكذا)
وانظر إلى تقييد هذه المعية بكونها (في الجنة) يجعل البشارة بشارتين أولاهما رفقة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبته ، والثانية التأكيد على أنه من أهل الجنة.
وفي تصويره لقرب هذا الكافل منه في الجنة جعل الممثل به (ذا) اسم إشارة مسبوقاً بهاء التنبيه ليلفت الأذهان بشدة إلى الصورة الشاخصة القريبة من العين المرافقة للنطق وهي السبابة والوسطى الممتدان مع قبض غيرهما لتمام التمييز ولتأكيد رؤية الجوار بلا فارق محس رمزاً إلى القرب الروحي الذى يجمع بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين هذا الإنسان الرحيم."
ولعل الحكمة في هذا الاقتران أن هذا الكافل شابه النبى صلى الله عليه وسلم بفعله هذا فالنبى صلى الله عليه وسلم من شأنه أن بُعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فكان كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً ،وكذلك كافل اليتيم قام بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه فأرشده وعلمه وأحسن تأديبه. فكانت المناسبة."
إن هذا الحديث على إيجازه وقلة عدد كلماته ليمثل قاعدة أساسية من قواعد بناء المجتمع المسلم النظيف الذى تتماسك لبناته فلا يضيع فيه الضعيف ، وهذا اليتيم ضعيف مسكين سلبه القدر ما أعطى غيره من رعاية الوالدين ، فجاء هذا الحديث ليعوض هذا اليتيم عن فقد والده بكافل يرعاه ويقوم على شئونه.
وكان من أبلغ وسائل الترغيب في كفالة هذا اليتيم هو الإشارة التى دلت على الاقتران والملازمة للنبى صلى الله عليه وسلم في الجنة.
فكان الحديث بحق ركناً أساسياً في قاعدة التكافل الاجتماعى التى تضمن سلامة المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق