الخميس، 4 مارس 2010

ألا أخبركم بأهل النار ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكملة الحديث الذى تحدثنا عنه في المقال السابق

( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ

يوضح هذا الجزء من الحديث صفات أهل النار، (كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) وقد سيقت بنفس الأسلوب التشويقي الذى عرضت به القضية الأولى، (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) لتقابل هذه الصورة الصورة الأولى، وهذه هى إحدى طرقه صلى الله عليه وسلم في توضيح المعنى، حين يبرز الصورة ونقيضها على التقابل، فيظهر حُسن الحَسَن بمجاورة القبيح ، وقُبْح القبيح بمجاورة الحَسَن وتأمل كلمات هذه الصورة الثانية، تجدها تصور المعنى بجرس الألفاظ . فتأمل (عُتُلٍّ ـ جَوَّاظٍ) فتراك تحس بقبحهما قبل أن تعرف معنيهما، إذ يحكيان ثقلاً غير متناه يحكى جسامة الموصوف، فترى تضعيف اللام في عتلٍّ ومجيء كلمة جوَّاظ ـ على الرغم من شدة مخارج حروفها ـ مضعفة العين مختومة بالظاء التى ينتهى لديها إفراط الغلظ.

"أى غلظة وأى فظاظة لا يتصورها السامع عند سماع هاتين الكلمتين ولو لم يفسرهما المفسرون ... إن لطيفة البيان النبوي تفرغ المكان لتفظيع الصفتين، فقد حَلاَّ في الحديث محل الموصوف تدل كل منهما على الذات والصفة حتى ترى الذات قد ذابت في الصفة كماً وكيفاً

الحديث مجملا :

إذن في الحديث صنفان أهل الجنة وأهل النار :

فالضعيف الذى قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى يكف آذاه عن المسلمين ويخفض جناحه لهم، ومن ثم يتظاهر بالضعف ويمارسه سلوكا بين جمرة المسلمين، وأما الجواظ المستكبر فهو الذى لا يعيش الناس في كنفه ولا يأمنوا شره.

وبهذا البيان الموجز يكون قد حدد صلى الله عليه وسلم سلوك أهل الجنة وسلوك أهل النار "ولم تقف فصاحته عند حد الكلمات المأنوسة لكنها تتعدى ذلك إلى كلمات وإن كانت غير مأنوسة فهى دقيقة معبرة عن المعنى المراد لفظاً وبنية وجرسا."

وفي النص نوعان من الموسيقى : هادئة وعنيفة تناسب الهادئة الأولى، لأن السرور والرضا عند أهل الجنة، وتشتد في الأخرى لمناسبة ما يلقى أهل النار فـ(عُتُلٍّ ـ جَوَّاظٍ ـ مُسْتَكْبِرٍ) كلمات صاخبة في اللفظ لا تصلح موسيقاها إلا إذا صاحبتها في الصخب والعنف ، كما أن دلالات الألفاظ معبرة عن محتواها فلفظ عتل وجواظ من الألفاظ الغليظة الخشنة والسامع لهذين اللفظين يستطيع أن يتخيل أنماط هؤلاء البشر الذين يحملون هذه الصفات.

هناك تعليق واحد: