الأحد، 14 فبراير 2010

وصف الجنة

ونبدأ بإذن الله بحديث في وصف سوق الجنة: روى مسلم قال :[ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا]।([1])
الحديث ينقل لك صورة لجمال أهل الجنة وحسنهم الذى يتزايد حيناً بعد حين ، فهو ينقل لنا صورة حية من مجالس المؤمنين في الجنة ، فالقلوب فرحة والنفوس مرحة ، والجنة دار سعادة والأهل في سرور وحبور ،والحسن والجمال وريح الشمال من ألفاظ الحديث([2]). ،، أسلوب الحديث أسلوب خبرى يقوم على الوصف والتصوير كما هي الصفة السائدة في أحاديث وصف الجنة يصور جانباً من تلاقى أهل الجنة وتزاورهم، وقد جاء الحديث مؤكداً بمؤكدات عدة تقريراً لمضمون الخبر واهتماماً بشأنه وتركيزاً له في نفوس المخاطبين .
فقد تصدرت إن أول الخبر لتعطى الكلام من الأهمية ما يستجلب انتباه السامعين ثم تلتها لام التأكيد الداخلة على اسم إن المؤخر، ينضم إلى هذين المؤكدين اسمية الجملة التى تدل بطبيعتها على ثبوت الأمر وتحققه .
ولما كان سمة الأسلوب هو التصوير والحكاية ناسب ذلك أن تُستخدم الأفعال المضارعة الدالة على الحال لتُستحضَر الصورة أمام خيال السامعين وكأنهم ينظرون إليهما وقت الحديث عنهم فجاءت الأفعال المضارعة لتقرب الصورة وتبرزها فقال (يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ـ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ ـ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ ـ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ـ فَيَرْجِعُونَ ـ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ ـ فَيَقُولُونَ) انظر إلى مجيء هذه الأفعال كلها على صيغة الحال وتتابعها بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب الذى لا يسمح لعقل السامع أن يشرد أو تتسرب إليه الغفلة.
كما أن هذه الأفعال تفيد إلى جانب استحضار الصورة تجدد هذا النعيم وتجدد الذهاب إلى هذا السوق ، يساعد على ذلك قولـه (يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ) وليس المراد كل جمعة حقيقة يوم الجمعة لأنه ليس في الجنة حقيقة الأسبوع لفقد الشمس والقمر ، إنما المراد في مقدار كل جمعة ، وآثر التعبير بالجمعة إشارة إلى فضيلته وتميزه على سائر الأيام لما خصَّه الله به من الفضل والمنزلة .([3]) ، وقولـه (فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ) المقصود ريح الجنة وسماها ريح الشمال ، لأن ريح الشمال كانت عندهم في الدنيا أحسن الأرياح فهى ريح تهب من ناحية الشام تأتى بالمطر فكانوا يحبونها ويتفاءلون بها.([4]) فتحثو في وجوههم وثيابهم وقد حذف مفعول تحثو ليذهب العقل في تفسير ما تحثوه كل مذهب، وقد فسرته بعض الروايات الأخرى بأنه المسك الذى هو تراب أهل الجنة. ،،، وقد تكررت جملة (فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا) في الحديث أربع مرات مما جعلها تضفى على ألفاظ الحديث من الحسن والجمال المعبر عن جمال أهل الجنة، مما ضاعف من جمال الموسيقى وهدهدة المعنى، وتأكيد المغزى، وهذا التكرار صورة رائعة من صور الإطناب الذى يتناسب مع المقام.
وهكذا رسم البيان النبوى في هذا الحديث لوحة رائعة من لوحات النعيم المقيم في الجنة لم يزد فيها على الاستخدام للألفاظ على حقيقتها دون التعرض للوشى البراق من المحسنات البديعية، فنطقت كلمات البيان بآيات الجمال وبديع الحسن ، ومما زاد في حسن هذه الصورة التى رسمها البيان هذا الحوار الذى أضفى على الصورة حركة وحياة وحيوية يحس بها الوجدان فيخيلها في النفس كأنها رأى العين، كما أن في ألفاظ الحديث رقة ونعومة وتكاملاً وتناسقاً وانسجاماً كأنها ضحك المنعمين."([5])
([1]) أخرجه مسلم /ج 9 /ص 186 /ك الجنة وصفة نعيم أهلها /ب فى سوق الجنة /رقم 2833 .
([2]) مشاهد القيامة فى الحديث النبوى /ص 418.
([3]) شرح النووى ج9 ص187 .
([4]) معجم كتاب العين لأبى عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيد /ج 6 /ص 265 تحقيق د/ مهدى المخزومى ط دار الرشيد للنشر العراق 1982م.
([5]) ينظر مشاهد القيامة فى الحديث النبوى /ص 418 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق