السبت، 17 أبريل 2010

عظـــــــــة الـمــــــــوت


الحمد لله رب العالمين :

اللهم: ارزقنا قبل الموت توبة. وعند الموت شهادة . وبعد الموت جنةً ونعيمًا.

اللهم: لا تدع لنا في هذا اليوم ذنبًا إلا غفرته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا ميتًا إلا رحمته يا أكرم من سئل.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيى ويميت وهو الحى الذى لا يموت.

ابن آدم :

الموتُ في كل حين ينشر الكفنا
لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها
أين الأحبَّة والجيران ما فعلوا
سقاهم الدهر كأسًا غير صافية


ونحن في غفلة عما يداوينا
وإن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الذين همو كانوا لنا سكنا
فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (صلى الله عليه وسلم) الذى قال له ربه :

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.

سيدي يا رسول الله :

يا خير من دفن بالبقيع أعظمه
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه


فطاب من طيبهن القاع والأكم
فيه العفاف وفيه الجود والكرم

وبعد

فأيها المؤمنون:

لابد من الموت . وهو ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم ولا مرض معروف.

وسواء أكان الإنسان كبيرًا أم صغيرًا، صحيحًا أم سقيمًا، قويًا أم ضعيفًا، عزيزًا أم ذليلاً قال تعالى:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ .

وقـال تعالـى :

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ .

ومن ثَمَّ فينبغى على كل مؤمن أن يكون دائمًا ذاكرًا للموت، عازفًا عن هذه الدار الفانية، متوجهًا بقلبه إلى ربه، مجتهدًا في الأعمال الصالحة التى تبلغه الدار الآخرة لأنها الباقية.

أيها الأحبة الكرام:

مافي الحياة بقاء
نبنى البيوت وحتماً
تموت كل البرايا


ما في الحياة ثبوت
تنهار تلك البيوت
سبحان من لا يموت

والإنسان في هذه الحياة إمَّا في ضيق من العيش أو في سعة منه.

فإن كان في ضيق وكان ذاكرًا للموت هان عليه كل شيء يعانيه من آلام الحياة وصعوباتها؛ لأنَّ الموت أشد وأصعب من كل شيء.

وإن كان يعيش في سعة ونعمة وكان ذاكرًا للموت فلا يغتر بما لديه من نِعَم الله عليه لأنه سيفارقها بالموت.

يقول الإمام الشافعى – رحمه الله - :

يا واعظ الناس عما أنـت فاعلـه
أحفظ لشيبك مـن عيـب يدنسـه


يا من يعد عليـه العمـر بالنفـسِ
إنَّ البياض قليـل الحمـل للدنـسِ

كحامـل لثيـاب النـاس يغسلهـا
تبغى النجاه ولم تملـك طريقتهـا
ركوبك النعش ينسيك الركوب على
يـوم القيامـة لا مـال ولا ولـد


وثوبه غارق في الرجس والنجسِ
إنَّ السفينة لا تجري على اليَبَـِسِ
ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ
وضمة القبر تنسي ليلـة العـرس

تلقين الموتى : لا إله إلا الله:

قد أمرنا النبى (صلى الله عليه وسلم) بالتلقين فقال:

[ لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ] .

ويكون التلقين عن طريق التعريض للمحتضر بأن يقول من بحضرته: ما أحسن من قال لا إله إلا الله. أو يقول : ما أجمل من قال لا إله إلا الله ونحو ذلك.

ولا يكون التلقين عن طريق الطلب المباشر، وفائدة التلقين تظهر في قوله (صلى الله عليه وسلم):

[مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ] .

أيها المؤمنون:

كونوا دائمًا على ذكر للموت، مستعدين للقاء الله ـ تعالى ـ إذ لابد منه، فأشرف الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم) قد تُوفى قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ .

وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت:

[ إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.

دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُالرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ

فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ ؟

فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ

فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ : أُلَيِّنُهُ لَكَ؟

فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ

فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ .. فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ (صلى الله عليه وسلم) يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ:

لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ

ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ].

يحكى الحديث الشريف احتضار الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد احتضر وهو مسند إلى السيدة عائشة – رضى الله عنها – وكان يضع يديه في الماء فيمسح بهما وجهه الشريف ويقول:لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ .

عبـاد اللــه:

رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو أشرف الخلق وأكرمهم عند الله ـ تعالى ـ وأكثرنا عبادة وأقربنا إلى الله، وهو الذى غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول عند الموت:

لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ...

فماذا نقول نحن ؟! وما الزاد الذى أعددناه للقاء الله ؟

ونحن كل يوم نبارز الله ـ عزَّ وجلَّ ـ بالمعاصى ونقترف الذنوب والآثام.


ابن آدم:

أنْتَ الذى وَلدتك أُمُـكَ بَـاكيـاً
فاعْمَد إلى عملٍ تَكون إذا بَكُوا


والنـاس حَولـكَ يَضْحـكـون سـرورًا
في يوم موتك ضاحكاً مسـرورًا

وحدث المزني قال :

دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت:

كيف أصبحت؟

قال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولكأس المنية شاربًا ، وعلى الله ـ تعالى ـ وارداً.

ولا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشد:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبى
تعاظمنى ذنبـى فلما قرنته
وما زلت ذا عفو عن الذنب سيدى


جعلت رجائي نحو عفوك سُلما
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
تجود وتعفو منَّة وتكرما



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق