الأربعاء، 14 أبريل 2010

خطبة الجمعة عن الصبر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع عن الصبر

الصــــــــبر

الحمد لله رب العالمين:

اللهم: اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحوما. وتفرقنا من بعده معصومًا، ولا تدع فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا.

اللهم: اهدنا واهد بنا وارفع مقتك وغضبك عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

ابن آدم:

إذا اعْتَرَتْكَ بَلِيَّةٌ فاصْبِرْ لهــــا
و إذا شكَوْتَ إلى ابن آدم إنما


صبـرَ الكريــمِ فإنه بكَ أكرمُ
تشكو الرحيمَ إلى الذى لا يرحمُ

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، الذى أمره ربه بالصبر فقال:فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

وبعد

فأيها المؤمنون:

إن من الصفات الكريمة التى حثَّ عليها الإسلام ورغَّب فيها صفة: الصبر. فالصبر فضيلة عظيمة وسمة كريمة.

وبالصبر يحتمل المؤمن مشقات التكاليف، ويواجه صعوبات الحياة.

والصبر يدل على رسوخ الإيمان وقوته في قلب المؤمن.

وبالصبر ينال المؤمن أجرًا غير محدود في الدار الآخرة. قال تعالى:

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ .

وقــال:

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

الصبر وأقسامه :

الصبر: هو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل. وضد الصبر: الجزع.

قال تعالى على لسان أصحاب الجحيم:

سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ.

والصبر ـ أيضًا ـ هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

والصبر أقسام منها: صبر على طاعة الله ـ عزَّ وجلَّ ـ، وصبر عن المعاصى والشهوات،

وصبر على المصائب والمحن والبلاء.

فطاعة الله ـ تعالى ـ تحتاج إلى صبر لأنها تشتمل على التكاليف الشرعية التى قد تثقل على بعض النفوس البشرية، والله ـ تعالى ـ قد أمرنا أن نستعين بالصبر والصلاة على طاعته كما قال:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ .

فضل الصبر:

لا ريب أن المؤمن في الدنيا عرضة للابتلاءات والاختبارات، ولايزال البلاء موكل بالمؤمن حتى يمشى على الأرض وما عليه خطيئة . فإذا صبر على ما ينزل به من المحن يضاعف له الأجر وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة.

قـال تعـالى:

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ.

وجاء في الصحيحين :

[عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ:

قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟

قُلْتُ: بَلَى .

قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ () فَقَالَتْ:

إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي .

قَالَ (صلى الله عليه وسلم): إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ .

فَقَالَتْ: أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لها]. رسول الله ().

أيها الإخوة الكرام:

الحديث الشريف الذى معنا يوضح فضيلة الصبر وأن عاقبته الجنة.

فهذه المرأة المصابة بالصرع والتكشُّف جاءت إلى النبى () ليدعو لها برفع البلاء عنها فخيرها بين: الصبر والجنة. وبين دعاءه لها بالمعافاة ورفع البلاء، فاختارت المرأة الصبر مادام جزاؤه الجنة.

ثم طلبت من الرسول () أن يدعو لها بألا تتكشف فدعا لها.

وهذا يدل على أهمية الصبر وأنه سبب لدخول الجنة.

فما أجمل الصبر وما أحسن عاقبته.

وفي صحيح مسلم :

[عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ () يَقُولُ:

مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ [أى مرض] وَلاَ نَصَبٍ [أى تعب] وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يَهُمُّهُ إِلاّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ].

وفي رواية أخرى:

[عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ () يَقُولُ:

مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلاّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ].

نكتفى بهذا القدر ونكمل ـ إن شاء الله تعالى ـ ما بقى بعد جلسة الاستراحة.

أيها المؤمنون:

يقول رسول الله () :"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".



الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله ولى الصالحين. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

أما بعد

فأيها الإخوة الأعزاء:

إن المؤمن في هذه الحياة لا يستقر على حال فهو يومًا مسرورًا ويومًا محزونًا وهكذا..

فالبلاء لا يتوقف عن المؤمن فهو مصاب بمصائب جمة في نفسه أو في ولده أو فى أهله، ومصائب في المجتمع الذى يعيش فيه.

فإذا صبر المؤمن على البلاء الذى ينزل به فإن الله ـ تعالى ـ سيعوضه بأفضل منه وذلك بتكفير الذنوب والخطايا عنه. وذلك من نعم الله علينا.

الصبر على الابتلاء في الولد:

من المحن والابتلاءات التى تصيب المؤمن الابتلاء في الولد، فقد أخرج الترمذى:

[عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ () قَالَ:

إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ: نَعَمْ

فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ

فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ: عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ

فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ].

الحديث الشريف صورة من صور الرحمة لمن أصيب في ولده، وبشرى كريمة له ببيت في الجنة، وهذا البيت سُمِّى "بيت الحمد" ليكون اسمه من جنس ماقال صاحب المصيبة.

وهذه البشارة العظيمة "بيت في الجنة" تزيل عن كل قلب مجروح أحزانه وآلامه وتضمد جراحه، فلا يملك بعد هذه البشارة إلا أن يخر ساجدًا لله ـ تعالى ـ على هذا الفضل العظيم.

وأخرج البخارى في صحيحه :

[عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ قَالَ فَمَاتَ

وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ [أم سليم] أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ .

فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ ؟

قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ

قَالَ: فَبَاتَ فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ () ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ () بِمَا كَانَ مِنْهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ () :

لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ].

أيها المؤمنون:

لقد كانت السيدة الفاضلة أم سليم مثلاً طيبًا يحتذى به في الصبر، فهى لما احتضر ابنها لم تظهر عليه حزنًا ولا نوحًا – كما يحدث من الأمهات في عصرنا هذا – ولكنها سلمت الأمر لله وحده لإيمانها العميق بقضاء الله وقدره ولثقتها في الله ـ تعالى ـ أنه سيعوضها خيرًا منه.

وتلك السيدة الكريمة لم تخبر أبا طلحة بموت ابنه بادئ الأمر بل أخفت عنه ذلك الخبر حتى يتمكن منها ويتصل بها.

فلما أصبح زوجها وأراد الخروج أعلمته بوفاة ابنه.

وقد كان من ثمرة الصبر أنَّ أم الصبى (أم سليم) قد حملت وأنجبت لأبى طلحة غلامًا سماه النبى () عبد الله، وقد عاش هذا الغلام حتى تزوج وكان له تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن الكريم.

فما أجمل الصبر وما أعظم ثمرته وما أفضل الاستسلام للقضاء والقدر.

ابن آدم:

كُن عَن همومِك معرضًا
فلرُبما اتّسع المضيق


وكِلْ أمورك للقَضَا
ولربما يضيق الفَضَا

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس . إنه على مايشاء قدير، وبالإجابة جدير.

عبـاد اللــه:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق